ليس سهلاً على كثيرين البوح بما يعتمل في دواخلهم، والتعبير عن مشاعرهم نحو موضوعات عدة؛ أمام أناس لا يعرفونهم، أو أفراد يلتقونهم للمرة الأولى. لكن الحال تتغير مع الـ«رايتنغ ثيربي»، او العلاج بالكتابة، الذي تقوم به اختصاصية الطب النفسي فيميدا هيراغ، في دبي «انترناشونال آرت سنتر»، إذ على كل شخص من المجموعة التي توضع في صف واحد ان يعبّر بصراحة عن آرائه تجاه قضايا وأفكار تطرحها هيراغ، مثل «البيت، او العمل، او الحديث عن الأم، أو الأب، وغير ذلك، وعلى الشخص ان يكتب ما يشعر به حيال الموضوع، بعدها يقرأ كل فرد ما كتب على المجموعة التي تناقشه، بحيث يصبح الفريق داعماً للشخص، ويتم التوصل إلى حلول للمشاعر السيئة»، بعيداً عن تدخل الاختصاصية التي تشرف على المناقشة، وتديرها ليس أكثر.
وتؤكد هيراغ انه «يمكن لاختصاصي آخر أن يستخدم أي وسيلة أخرى غير الكتابة، مثل الحركة او الموسيقى، او أي شيء آخر يكون وسيلة للتعبير عن المشاعر والانفعالات، وإخراج ما في داخله من أمور يكرهها أو يحبها، وليس سهلاً عليه البوح بها، ما يعد فرصة للتخلص من المشاعر السلبية والإيجابية، على حد سواء».
فكرة أسبوعية
تطرح هيراغ في كل أسبوع فكرة، قد تنطلق من الأشياء العامة لتصل الى الأمور الخاصة جداً في الحياة، كالمنزل أو الحب أو الأمومة، شريطة أن تكون منطلقة من كلمة واحدة وشيء أساسي. وتوضح هيراغ «حين أسأل عن مفهوم معين كالأم، على سبيل المثال، فإنني بذلك أتيح للمرء التحدث عنه، من وجهة نظره، اذ يمكن للمرأة ان تتحدث عن نفسها كأم، او عن أمها، او حتى ان تكتب عن تصورها الخاص للأمومة، فالمجال مفتوح امام المرء ليكتب ما هو بحاجة اليه». ولفتت هيراغ الى ان «النتيجة التي يحصل عليها المرء من خلال الكتابة تكمن في الدعم من قبل الاشخاص المشاركين في المجموعة».
وفي ما يتعلق بتسمية «العلاج بالكتابة» تؤكد هيراغ أنه «ليس بالضرورة ان يعاني الشخص مشكلات كي يشارك في العلاج بالكتابة، لأن الهدف الأساسي منه تطوير الذات ودعم الشخص، وليس المعالجة من امراض معينة». وحول القواعد المتبعة «ليس في العلاج بالكتابة من إرشادات إلى الصواب والخطأ، ولا حتى قواعد لابد من الانصياع لها، فالمسألة نسبية، وتتعلق بآراء شخصية، وليس علي أن أرشد الأشخاص، أو حتى توجيههم».
صدق وثقة
يشمل صف العلاج بالكتابة ستة أو ثمانية أشخاص، وعلى كل فرد ان يتحدث بصدق أمام المجموعة، وتقول هيراغ «لا يحق لأحد الابتعاد عن المجموعة مهما كانت الموضوعات التي تتناولها جلسات المناقشة، او كانت الأفكار التي يعبر عنها المرء شخصية، ما يعني ان على الفرد ان يثق بجميع افراد المجموعة ليتحدث بصدق»، وتؤكد أن «الثقة تُكتسب بين أعضاء الفريق بعد فترة قصيرة، فهم يشعرون بالراحة أكثر حين يتحدثون، على الرغم من أن مسألة الثقة بالآخرين ليست سهلة، ولكن برأيي مجرد اجتماع أشخاص لثلاث ساعات بصفة دورية، لتبادل الأحاديث والأفكار، كفيل بتعزيز الثقة بالآخر». اما المدة الزمنية التي يستغرقها العلاج بالكتابة فهي «ثمانية أسابيع، ويمكن للشخص أن يمدد الفترة إن أحب ذلك».
قوة الكلمة
وتشرح هيراغ أسباب اختيارها الكتابة وسيلة للعلاج وتقوية الشخصية بقولها «عملت في مجال المعالجة بالكتابة في لندن لسنوات طويلة، وتعاطيت مع مختلف الجنسيات والثقافات، وعلى الصعيد الشخصي أؤمن بقوة الكلمة وما يمكن ان تقدمه لنا في هذا المجال».
ولجهة عدد الكلمات المفترض ان يقدمه الشخص ليعبر عن رأيه في القضايا المطروحة، توضح هيراغ «لا أحدد للمرء كم عليه ان يكتب، فيمكن ان يكتب صفحات، او ثلاث كلمات، لا أتعامل مع الكتابة على اساس الكم؛ لأن ما اهتم به الفكرة، بالإضافة الى انني لا اتعاطى مع الأفكار المكتوبة، فالفريق هو الذي يناقشها، وما علي سوى إدارة الحوار بينهم، ووضع الحدود كي لا يتجاوزها احدهم، باختصار مهمتي الأساسية تسهيل عمل المجموعة». وعن أهمية العمل ضمن مجموعة، قالت «إن العمل في المجموعة أسهل من العمل الفردي، والجدوى افضل بكثير، ولا أنكر ان هناك بعض الحالات، التي يمكن القول ان العمل فيها على نحو منفرد، تكون افضل من العمل معها ضمن المجموعة»، مشيرة إلى أن ذلك يكون مع حالات خاصة «مثل شخص يعاني مشكلات معينة كالفوبيا، او غيرها، ولكنني أدخله المجموعة بعد ان يكتسب الثقة بالنفس ويصبح قادراً على التفاعل معها».
التحدث عن السلبيات
وترى هيراغ أن من أهم الفوائد التي تعود على الشخص من العلاج بالكتابة «تعزيز الثقة بالنفس، وتطوير الشخصية، واعتياد الفرد تقوية علاقاته الاجتماعية، فبعد انتهاء عمل المجموعة يقوم كل فرد بتشكيل مجموعة مع آخرين، او حتى الاستمرار في التعاون مع زملائه في المجموعة». منوهة الى أن العلاج بالكتابة لا يقتصر على الأفكار السلبية « ففي أحيان كثيرة لا بد من الالتفات الى اهمية التحدث عن المشاعر الإيجابية، واخراجها من داخل الانسان». وتتابع «من المؤذي التحدث عما هو سلبي او الدلالة عليه، لأن المشاعر السلبية ضرورية وهي ليست سيئة، فعلى سبيل المثال لا يمكنني إن رأيت شخصاً غاضباً أن أزيد من حدة غضبه وتوتره، لأن هذه المشاعر ضرورية، لذا علي ان اترك الانسان يعيش هذه المشاعر الصحية طالما ان هناك ما يدفعنا الى عيشها، فلا أحاسبه على المشاعر الصحية، ولكن الإفراط في عيش المشاعر يعد أمراً غير صحي».
وعن أوجه التشابه والاختلاف بين طريقتي العلاج بالكتابة والتدريب على الحياة، تقول هيراغ «التدريب على الحياة بالنسبة إلي يعني ان نساعد المرء على حل بعض القضايا العالقة، لكن في العلاج بالكتابة لا اقدم نصائح، ولا ارشد الشخص الى ما عليه القيام به، فقط أستمع اليه. والتدريب على الحياة يهتم بحاضر ومستقبل الانسان، بينما العلاج بالكتابة يمكّننا من العودة الى الماضي، لكن في النهاية يصل الأمر عبر الطريقتين إلى النتيجة نفسها، وهي انسان سعيد».
ردة فعل
تقول اختصاصية الطب النفسي فيميدا هيراغ ان ردة الفعل الأولى حول العلاج بالكتابة ستكون الفضول لمعرفة تفاصيل العلاج، وكيف يتم، فيما تكون ردة الفعل الثانية طرح سؤال: هل يجب ان اعاني من مشكلة معينة كي اخضع لهذا العلاج؟ ولا بد لي من الإجابة عن هذا السؤال، اذ انه ليس من الضروري ان يعاني المرء مشكلة كي يخضع له» وتنصح بـ«الانضمام الى صفوف العلاج بالكتابة؛ لأنها فرصة كي يكتسب الانسان خبرة جديدة، ومعـارف داعمة له في الحيـاة، كي يفـهـم نـفسه، ويتـعرف إليها أكـثر».