«حركة المجاهدين» ارتبطت بصلات بالاستخبارات وقدمت الدعم اللوجيستي لـ«القاعدة»
إسلام آباد (باكستان): كارلوتا غال وبير زبير شاه وإريك شميت*
كشف
الهاتف الجوال لرسول أسامة بن لادن المؤتمن، والذي تمت مصادرته خلال
الغارة التي أسفرت عن قتل كلا الرجلين في باكستان الشهر الماضي، عن اتصالات
تخص مجموعة مسلحة تمثل أحد الأصول الخاصة بوكالة الاستخبارات الباكستانية
منذ أمد بعيد، حسبما أفاد مسوؤلون أميركيون رفيعو المستوى اطلعوا على نتائج
تفحص الهاتف.
وتوحي هذه النتائج بأن بن لادن استغل الجماعة، «حركة المجاهدين»، كجزء من
شبكة الدعم التي يعتمد عليها داخل باكستان، حسبما ذكر المسؤولون وآخرون.
إلا أن ذلك أثار تساؤلات خطيرة حول ما إذا كانت الجماعة وآخرون مثلها أمدوا
بن لادن بالملاذ والدعم نيابة عن وكالة الاستخبارات الباكستانية، بالنظر
إلى أن الأخيرة تقوم بدور الموجه لـ«حركة المجاهدين» وسمحت لها بالعمل داخل
باكستان لمدة 20 عاما على الأقل، تبعا لما قاله المسؤولون ومحللون. وفي
إطار تعقبهم للمكالمات المسجلة على الهاتف الجوال، حدد محللون أميركيون أن
قادة «حركة المجاهدين» أجروا اتصالات بمسؤولين بالاستخبارات الباكستانية،
طبقا لما قاله المسؤولون الأميركيون. واستطرد المسؤولون موضحين أن
الاتصالات التي جرت لم تتعلق بابن لادن وحمايته بالضرورة، وأنه لا تتوافر
مؤشرات توحي بأن الاستخبارات الباكستانية وفرت الحماية لابن لادن.
إلا أن أرقام الهواتف التي حملها الهاتف توفر واحدة من أهم الخيوط التي
ظهرت حتى الآن في خضم المساعي للإجابة عن تساؤل ملح ومهم بالنسبة لواشنطن:
كيف تمكن بن لادن من العيش بأريحية لسنوات في أبوت آباد، وهي مدينة تهيمن
عليها القوات العسكرية الباكستانية وعلى بعد ثلاث ساعات فقط بالسيارة عن
العاصمة الباكستانية إسلام آباد.
وأكد أحد المسؤولين الأميركيين المطلعين على النتائج العامة لتفحص الهاتف،
أن «هذا خيط خطير. ويكشف طريقا نحقق بشأنه الآن». كما أن هذا الكشف ربما
يوفر خيطا بالغ الأهمية في حل لغز الملحمة السرية التي تزعمها بن لادن بعد
فراره من القوات الأميركية بمنطقة تورا بورا الأفغانية منذ نحو عشر سنوات.
وربما يفيد في حل كيف ولماذا اختار بن لادن أو من يتولون حمايته في أبوت
آباد، حيث قتل في غارة نفذها فريق من البحرية الأميركية في 2 مايو (أيار).
جدير بالذكر أن «حركة المجاهدين» لها جذور عميقة على نحو خاص بالمنطقة
المحيطة بأبوت آباد، والشبكة التي وفرتها الجماعة قطعا عززت من قدرة بن
لادن على العيش والتحرك داخل باكستان، حسبما أفاد محللون على دراية
بالجماعة. ويرتبط قادة «حركة المجاهدين» بصلات بـ«القاعدة» والاستخبارات
الباكستانية، وبمقدورهم التجول بحرية على نطاق واسع لأنهم باكستانيون، وهو
أمر يتعذر على الأجانب من أعضاء «القاعدة». وحتى اليوم، يعيش زعيم «حركة
المجاهدين»، مولانا فضل الرحمن خليل، أحد أقرب أعوان بن لادن داخل باكستان
منذ فترة بعيدة، في أطراف إسلام آباد من دون إزعاج من السلطات.
ولم يذكر المسؤولون الأميركيون أسماء القادة الذين وجدت أرقام هواتفهم
مسجلة على هاتف رسول بن لادن الجوال، لكنهم أشاروا إلى أن هؤلاء المسلحين
كانوا في جنوب وزيرستان، وهي المنطقة التي اتخذتها «القاعدة» ومجموعات أخرى
قاعدة انطلاق لها لسنوات. وبمقدور الشبكة الخاصة بـ«حركة المجاهدين»
السماح لابن لادن بتمرير تعليماته إلى أعضاء «القاعدة» هناك وفي أجزاء أخرى
من المناطق القبلية الباكستانية، ونقل رسائل وأموال، بل ورعاية الشؤون
الشخصية، حسبما أفاد محللون ومسؤولون.
وتعد «حركة المجاهدين» واحدة من عدة جماعات مسلحة تكونت في ثمانينات ومطلع
تسعينات القرن الماضي بموافقة ومساعدة وكالة التجسس الباكستانية الأولى،
إدارة خدمات الاستخبارات، للمحاربة بالوكالة داخل أفغانستان، في بادئ الأمر
أمام السوفيات، ثم ضد الهند في إقليم كشمير المتنازع عليه. ومثلما الحال
مع كثير من الجماعات الأخرى، تفككت هذه الجماعة وأعادت تسمية نفسها على مر
السنوات، ونظرا لطبيعتهم المتداخلة كان بمقدور جماعات أخرى المشاركة في دعم
بن لادن أيضا، حسبما أفاد مسؤولون ومحللون بأنهم استطردوا بأن «حركة
المجاهدين» شكلت الأداة المفضلة لدى وكالة الاستخبارات الباكستانية.
عن ذلك، قال بروس أو. ريديل، المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية
ومؤلف كتاب «العناق المميت: باكستان وأميركا ومستقبل الجهاد العالمي»، إن
«حركة المجاهدين» واحدة من أقدم وأقرب حلفاء «القاعدة»، وهي قربة للغاية من
وكالة الاستخبارات الباكستانية.
وأضاف أن مسألة تواطؤ الاستخبارات والجيش الباكستانيين في اختباء بن لادن
«تقف الآن كسحابة سوداء فوق مجمل العلاقة» بين الولايات المتحدة وباكستان.
بالفعل، هناك شكوك كبيرة حول أن الاستخبارات الباكستانية أو أجزاء منها سعت
لإخفاء بن لادن، ربما للإبقاء عليه كورقة مساومة أخيرة، أو لضمان استمرار
تدفق مليارات الدولارات الأميركية على باكستان في صورة مساعدات عسكرية ما
دام بن لادن حيا.
وهذا الشهر، أعرب كل من رئيس اللجنة المنتخبة الدائمة حول الاستخبارات
بمجلس النواب، النائب مايك روجرز، عضو الحزب الجمهوري من متشيغان، وعضو
اللجنة الديمقراطي البارز النائب سي. إيه. دوتش روبرزبيرغر، من ماريلاند،
عن اعتقاده بأن بعض أعضاء الاستخبارات الباكستانية أو الجيش الباكستاني،
سواء متقاعدين أو في الخدمة، متورطين في توفير الملاذ لابن لادن.
يذكر أن بن لادن له تاريخ طويل مع الاستخبارات الباكستانية يعود إلى حركة
التمرد التي قادها المجاهدون ودعمها الأميركيون والباكستانيون ضد السوفيات
داخل أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي.
وقال اثنان من القادة المسلحين سابقا ومقاتل بارز ممن تلقوا دعما من
الاستخبارات الباكستانية لسنوات، إنهم على قناعة بأن الاستخبارات
الباكستانية لعبت دورا في إيواء بن لادن. ونظرا للسرية التي يفرضونها على
أنفسهم، رفضوا الكشف عن أسمائهم. وكان أحد القادة ينتمي إلى «حركة
المجاهدين». وقال الآخر إنه حارب في صفوف عصابة مسلحة وعمل على تدريب
مقاتلين آخرين طيلة 15 عاما، بينما كان يتلقى راتبا من القوات المسلحة
الباكستانية، حتى توقف عن العمل منذ سنوات قلائل. وذكر أنه التقى بن لادن
مرتين.
وفي ربيع 2003، حضر بن لادن، برفقة وحدة من حراسه الشخصيين من مقاتلين عرب
وشيشان، على نحو غير متوقع، تجمعا من 80 إلى 90 مسلحا في قرية بسلسلة جبال
شاوال في شمال وزيرستان، بالمناطق القبلية الباكستانية، حسبما أفاد القائد
المسلح السابق. والتقى آنذاك بن لادن لفترة قصيرة داخل أحد المنازل، وقال
إنه تعرف على بن لادن لأنه كان قد سبق وأن التقاه في أفغانستان قبل هجمات
11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية.
وجاءت المقابلة في شمال وزيرستان قبل الحملة الأميركية لاستخدام طائرات من
دون طيار، التي بدأت عام 2004، وجعلت من غير الآمن على المسلحين التجمع في
المنطقة بأعداد كبيرة. على مدار نحو ثلاث سنوات قبل الحملة الأميركية، كان
بن لادن ينتقل من مكان لآخر داخل المناطق القبلية الجبلية الباكستانية،
حسبما قال القائد المسلح السابق.
كان لدى واشنطن وحدات صغيرة للعمليات الخاصة وعملاء لوكالة الاستخبارات
المركزية يعملون مع قوات الأمن الباكستانية لتعقب أعضاء «القاعدة» آنذاك.
ولفترة من الوقت، تعمق اختفاء بن لادن. وفي ذلك الوقت، توقع القائد المسلح
أن بن لادن نقل إلى منزل أمن في مدينة ما، لكنه لم يقل إنه كان على علم
بانتقاله إلى أبوت آباد تحديدا.
ولم يقدم هو والقائد المسلح الآخر، الذي قضى 10 سنوات مع «حركة المجاهدين»،
دليلا على اعتقادهما بأن بن لادن كان في حماية المؤسسة العسكرية
الباكستانية، لكنهما اعتمدا في رأيهما هذا على سنوات عملهما مع الاستخبارات
الباكستانية ومعرفتهما بكيفية تعامل الوكالة مع القيادات المسلحة التي
تعتبرها أصولا لها، حيث تضعهم في حجز حمائي في المدن، غالبا قرب منشآت
عسكرية. وتصل هذه المعاملة في بعض الأحيان إلى نمط من الإقامة الجبرية
لضمان آمن هذا الأصل المهم وعدم ظهوره علانية بما يسبب حرجا لمن يحمونه.
ويبقى من غير الواضح كيف وصل بن لادن إلى أبوت آباد، حيث يقول مسؤولون
أميركيون إنه عاش هناك مع أسرته طيلة خمس سنوات، بداية عام 2006. وتضم
المدينة واحدة من أبرز الأكاديميات العسكرية في البلاد، وتقع على بعد أقل
من ميل عن المجمع الذي قتل فيه بن لادن.
كما تعد المدينة نقطة ترانزيت للمسلحين المتنقلين بين كشمير والمناطق
القبلية. وتعد المنطقة قاعدة تجنيد رئيسة لـ«حركة المجاهدين» التي لا تزال
توجد معسكرات التدريب والمنشآت الأخرى الخاصة بها بالقرب، تحديدا في
مانسيهرا.
وعلى مدار أواخر التسعينات، تعاونت «حركة المجاهدين» بصورة وثيقة مع طالبان
و«القاعدة»، وتشاركا في معسكرات التدريب ونقل المقاتلين الأجانب إلى
معسكرات «القاعدة» في أفغانستان.
وكان زعيم الجماعة، خليل، أحد الموقعين على بيان بن لادن الصادر عام 1998
والذي يقضي بشن هجمات ضد أميركا، بل ونظمت الجماعة أيضا جولات لصحافيين
لمقابلة بن لادن داخل أفغانستان قبل هجمات 11 سبتمبر، واستغلت أيضا في
تمرير رسائل إليه، تبعا لما قاله أسد منير، بريغادير متقاعد ومسؤول سابق
بالاستخبارات.
تلك كانت طبيعة العلاقات القائمة بين الجماعات المختلفة بالمنطقة عندما
أطلقت واشنطن صواريخ ضد معسكرات بن لادن في أفغانستان، بعد حادث تفجير
سفارتي الولايات المتحدة لدى تنزانيا وكينيا. وأسفر الهجوم الصاروخي
الأميركي عن مقتل 11 من «حركة المجاهدين»، كما قتل بعض مقاتلي الجماعة في
تفجير واحد من قواعد بن لادن في أفغانستان لدى بداية الغزو الأميركي للبلاد
في أكتوبر (تشرين الأول) 2001.
وتحت ضغوط أميركية قوية، تم حظر «حركة المجاهدين» وجماعات أخرى مشابهة
رسميا من قبل حكومة الرئيس برفيز مشرف عام 2002، مما اضطرها للتخفي. وبدلت
«حركة المجاهدين» اسمها واستمرت في إدارة معسكرات لتدريب مسلحين من دون أن
تعترضها السلطات الباكستانية. وضبط بعض هؤلاء المسلحين أثناء قتالهم ضد
القوات الأميركية وقوات حلف «الناتو» داخل أفغانستان، حسبما ذكر القادة
المسلحون السابقون.
واستمر الجيش الباكستاني في صلاته بقيادة «حركة المجاهدين»، خاصة خليل،
تبعا لما قاله مسؤولون ومحللون باكستانيون. عام 2007، استغلت حكومة مشرف
خليل كعضو في مجموعة من رجال الدين الذين حاولوا التفاوض لوضع نهاية لحصار
يفرضه مسلحون على المسجد الأحمر في إسلام آباد.
ولا يزال من غير الواضح طبيعة دور خليل، حال قيامه بدور من الأساس، في
مساعدة بن لادن في أبوت آباد، أو ما إذا كان على علم بمحل إقامته. وربما
شعر المتشددون داخل جماعته بالصدمة حيال أسلوب تعامل الاستخبارات
الباكستانية معهم، مما دفعهم للانفصال عنهم والعمل على نحو أكثر استقلالا.
من بين القادة المسلحين الباكستانيين الآخرين المقربين من بن لادن قاري سيف
الله أختار، زعيم «حركة الجهاد الإسلامي». وقد توقف أختار في جنوب
وزيرستان في طريقه إلى أفغانستان منذ بضعة شهور، حسبما قال أحد المسلحين
عبر الهاتف.
ويوضح وجود أختار، المطلوب لدى السلطات على خلفية صلته بالهجوم الذي أدى
لمقتل بنظير بوتو، رئيسة الوزراء السابقة، عام 2007، أنه كان قادرا على
التحرك بحرية من دون تدخل من جانب الاستخبارات الباكستانية. وذكر تقرير صدر
عن وزارة الداخلية الباكستانية أن أختار زار بن لادن في أغسطس (آب) 2009
قرب الحدود مع أفغانستان لمناقشة عمليات جهادية ضد باكستان، طبقا لتحليل
نشرته صحيفة «ديلي تايمز» الباكستانية عام 2010. ويعد ذلك المادة المسجلة
الوحيدة التي تكشف عن أن وجود بن لادن داخل باكستان كان معروفا لدى
الاستخبارات الباكستانية، حتى الغارة التي قتلته.
* كارلوتا غال كتبت من إسلام آباد، وإريك شميت من واشنطن.. وأسهمت جين بيرليز وسلمان مسعود من إسلام آباد، ومارك مازيتي من واشنطن